في عالمٍ يتسارع فيه كل شيء، ويميل نحو النمطية والإنتاج السريع، يبقى الثوب المطرّز الفلسطيني شاهدًا حيًا على فنٍ صبور، وصوتًا خافتًا يحمل في داخله ذاكرة وطن كاملة.
ليس مجرد لباس. ولا قطعة تراثية نزين بها الرفوف. هو نص بصري مطرز بخيوط الحكمة، بالحزن، بالفخر، وبالكثير من الانتماء. "ثوب تطريز فلسطيني" ليس زيًّا بل وثيقة حية، تروي من خلال كل غرزة قصة نساء قرويات، وأمهات ثكالى، وشابات عشن بين الحقول والزيتون... ثم حملن الوطن على أكتافهن حين غاب.
من الخيط إلى الخريطة، هوية ثوب التطريز الفلسطيني
يتميّز ثوب التطريز الفلسطيني بأنه خرائط مصغّرة للمدن. تستطيع من أول نظرة أن تميّز إن كان من رام الله أو غزة، من الخليل أو صفد. فكل منطقة كانت تطوّر لنفسها رموزًا خاصة، ورسومات ترتبط بجغرافيتها وموسمها الزراعي، وأحيانًا بحالاتها السياسية.
-
في بيت لحم: تظهر الزخارف الذهبية الكثيفة، بأقمشة "المخمَل" الفاخر.
-
في الخليل: نرى التطريز الكثيف على القماش النيلي، مع عناصر هندسية دقيقة.
-
أما في غزة: فالغرز أكثر تنوعًا، بالألوان الزاهية، ورموز البحر والنخيل.
-
وفي القرى الشمالية: برزت نقوش "شجرة الحياة"، "السرو"، و"العين والحماية".
إنها ليست مجرد نقوش، بل رسائل رمزية كانت المرأة الفلسطينية ترسلها للمجتمع، أو حتى للعدوّ، عبر ما ترتديه.

صناعة بمذاق الذاكرة
تبدأ القصة بخيوط قطنية، وإبرة، وقطعة قماش بسيطة، لكنها سرعان ما تتحول إلى كنز لا يُقدّر بثمن. تحتاج خياطة الثوب الواحد إلى شهور طويلة، يُطرّز فيها يدويًا، دون استعجال، مع دقة في تناسق الغرز، وتوزيع الألوان.
وقد استُخدم التطريز في الماضي للتعبير عن:
-
الطبقة الاجتماعية للمرأة
-
الوضع العائلي (عزباء، متزوجة، أرملة)
-
الحالة النفسية أو الأمنية (في الحرب كانت الألوان أغمق، وفي الفرح تزداد إشراقًا)
اليوم، ما زالت بعض النساء يتعلمن فن التطريز على يد الجدات، في محاولة لإحياء ما كاد أن يُنسى.
حين يصبح الثوب فعل مقاومة
في ظل الاحتلال، أصبح الثوب الفلسطيني رمزًا سياسيًا. ظهرت النساء الفلسطينيات في المحافل الدولية به، كصرخة صامتة: "نحن هنا، هذا تراثنا، وهذه أرضنا".
وقد ارتدت شخصيات سياسية وفنية هذا الثوب عن قصد، مثل:
-
رُبى بطحيش في البرلمان الأوروبي
-
آلاء سلامة في المحافل النسوية
-
فرقة صابرين في عروضها
-
والمغنيات الفلسطينيات في المهجر مثل ريم البنا، وكنزة صفدي
بين الأصالة والموضة, هل فقد الثوب جوهره؟
شهدنا في السنوات الأخيرة تحوّلات كبيرة في استخدام الثوب المطرز، حيث دخل عالم الأزياء المعاصرة، وظهر بصيَغ مختصرة أو مبتكرة (جاكيت مطرّز، حقيبة، وشاح...). وهذا جعل البعض يتساءل: هل نفقد الأصالة حين نمزج بين التراث والموضة؟
الإجابة ليست حتمية. فطالما أن:
-
المرأة تعرف قصة الثوب الذي ترتديه
-
وتشتريه من جهة تحترم الحِرفة الأصلية
-
وتدرك أن ما ترتديه هو تاريخ لا "ستايل"
فإن التطريز سيبقى فعل حبّ ومقاومة، لا موضة عابرة.

التطريز الذي لا يموت
الثوب المطرز الفلسطيني لا يُقاس بالسعر، بل بالمعنى. هو مرآة لذاكرة ممتدة، لا تموت طالما بقيت النساء يُحيينها بالإبرة والصبر.
كل غرزة فيه تحكي شيئًا منّا. عن أمّ تنتظر، وجدة تحكي، وطفلة تحمل في قلبها حلم العودة.
إنه ثوب، نعم.. لكنه أيضًا وطن على القماش.
اختاري الآن قطعة اللباس الفلسطيني المميز من متجر زيتون
يقدم لكم متجر زيتون أرقى و أجواد أنواع الأبسطة الفلسطينية، التي تتنوع بين الأثواب، الشالات، الكوفية، العبايات، والتي تصل لكم بأفضل وأسرع الطرق حيثما كنتم في أنحاء العالم
اطلبي الآن قطعتك المميزة من هنا